حزام الكويكبات الذي يقع في مكان ما بين مدار المريخ ومدار المشتري، هو مكان نشط نسبياً مقارنة ببقية نظامنا الشمسي. وبما أن معظم الكويكبات موجود في هذا الحزام، فقد شهد تاريخاً طويلاً من التصادمات والتحطم لشظايا وتغير الأشكال. ولكن مؤخراً اكتشفت في حزام الكويكبات مجموعة نادرة من الأجسام الكبيرة التي حافظت بشكل عجيب على شكلها الأصلي منذ تكونها قبل أكثر من 4 مليار سنة، حينما كان النظام الشمسي ما يزال في بداياته. من المتوقع أن تعطينا هذه الكويكبات النادرة صورة أفضل عن التاريخ القديم للنظام الشمسي وعن الطريقة التي تكونت بها الكواكب.
على الرغم من حياة الكويكبات الصاخبة، ينجح علماء الفلك في الكشف عن أصولها الحقيقية ويمكنهم اليوم تصنيف نحو ربع من ملايين الكويكبات المعروفة إلى عائلة واحدة. كيف يمكن العودة في الزمن واكتشاف جذور شجرة العائلة؟ كلما كانت كتلة الكويكب أصغر، فانه يُدفع بسهولة أكبر إلى أطراف الحزام بواسطة أشعة الشمس (صحيح، أشعة الشمس قوية بما يكفي لدفع أجسام خفيفة، وهي ظاهرة تدعى تاثير يركوفسكي). هكذا في الواقع، تتباعد عائلة الكويكبات عن الشمس على شكل قمع (على شكل الحرف V)، بحيث تتواجد الكويكبات الأكبر حجماً عند طرفه الدقيق قريباً من الشمس، والكويكبات الأصغر حجماً عند الجهة الواسعة الأبعد عن الشمس. عبر تتبع هذه التشكيلات، ينجح علماء الفلك في تصنيف الكويكبات ضمن عائلة، ومن خلال قياس قطر القمع، يمكن حساب الوقت الذي حصل فيه التصادم الذي أنشأ هذه العائلة، وهكذا. كما أن لون الكويكبات وحجمها يمكنه أن يدل على منشأ العائلة الواحدة.
ماركو دلبو وكيفن وولش، باحثان في ناسا، حللا على مدى سنوات معطيات تم جمعها عن أكثر من 150 ألف كويكب، وملاحظات سجلها تلسكوب الفضاء WISE. وقد تفاجئا باكتشاف عائلة من الكويكبات القديمة التي تكونت قبل أكثر من 4 مليارات سنة، والأغرب بأنها لم تتعرض لأي تصادمات وحافظت على شكلها الأصلي. جميع الكويكبات في هذه العائلة كبيرة جداً ويبلغ حجمها أكثر من 20 كيلومتر.
من هنا استخلص الباحثون أن التصادمات التي كونت أجسام كبيرة كهذه في الماضي السحيق، كانت قوية جداً. وفي الواقع، حقيقة وجود الكويكبات قبل أكثر من 4 مليار سنة لم يكن متوقعاً.
كما تبين أيضاً أن جميع أفراد العائلة بلون غامق مما يشير إلى تركيبتها الغنية بالماء والمعادن، وحتى على مكان نشأتها في القسم الخارجي من النظام الشمسي.
والحقيقة الأغرب هي أن عائلة الكويكبات القديمة هذه هي في الواقع بقايا من النظام الشمسي حين كان "طفلاً" يبلغ من العمر نحو نصف مليار سنة فقط. حينما كان شكله مختلفاً تماماً عما نعرفه اليوم. قبل 4 مليار سنة، كانت العمالقة الغازية الأكبر: المشتري، زحل، أورانوس ونبتون مجتمعة في النظام الشمسي الداخلي، ثم خرجوا نحو مداراتهم الحالية. إضافة لذلك، فقد كان نظام الكويكبات أضخم وأكثر تلاصقاً بنحو عشرة أضعاف ما هو عليه اليوم. "كلما درسناها أكثر، سنعرف أكثر عن العمليات التي حصلت قبل نشوء الكواكب" كما يقول بحماس الدكتور وولش من طاقم الباحثين. ولهذا السبب، هم متأكدون بأن التحدي القادم سيكون العثور على عائلات قديمة أخرى في حزام الكويكبات الرئيسية، من أجل التعرف على أسرار نظامنا الشمسي خلال السنوات الأولى من حياته.