اليوم، الـ 30 من حزيران، يبدأ يوم الكويكبات الدولي الذي تبنته منظمة الأمم المتحدة رسمياً في عام 2016. من المبادرين إلى هذا اليوم كان عالم الفيزياء الفلكية المشهور الراحل ستيفن هوكينغ، ورائد الفضاء في مهمة أبولو 9 راسل (راستي) شويكارت، وبريان ماي – لاعب الغيتار السابق في فرقة كوين، و دكتور الفيزياء الفلكية والمتخصص في الكويكبات حالياً. يأتي هذا اليوم من أجل رفع الوعي بالمخاطر التي تشكلها الكويكبات على الكرة الأرضية، وهو يصادف الـ 30 من شهر حزيران من كل عام، ففي مثل هذا اليوم في 1908 وقعت حادثة تونغوسكا في سيبريا، حيث اصطدم الكويكب الأكبر في العصر الحديث بسطح الأرض.
في السنوات الأخيرة طرأ تقدم ملموس على اكتشاف وتصنيف وتعريف ومتابعة الكويكبات التي يتعارض مسارها مع مسار الكرة الأرضية. تعرفت ناسا اليوم عن نحو 40% من مجمل الكويكبات القريبة والتي يزيد قطرها عن 140 متراً، وذلك من مجموع الكويكبات التي يقدر عددها بنحو 25000 كويكب من هذا النوع. وتم اختيار قطر الـ 140 متراً لأن الكويكبات التي تتجاوز هذا الحجم يمكنها أن تتسبب دماراً واسعاً على مستوى المناطق والقارات وحتى على المستوى العالمي. تعمل ناسا من أجل استكمال هذه المهمة والتعرف على 90% من الكويكبات الكبيرة حتى عام 2036، وذلك من بين أمور أخرى عبر إطلاق تلسكوب فضائي جديد وخاص باسم سرويور.
بالطبع، لا يكفي التعرف على التهديد مسبقاً، بل يجب أيضاً معرفة كيفية التعامل معه. حتى في هذا المجال سجلت وكالات الفضاء المختلفة تقدماً ملحوظاً، حيث تعمل ناسا هذا العام على إطلاق مهمة Double Asteroid Redirection Test، أو DART، والتي ستحاول إزاحة كويكب صغير عن مساره من خلال اصطدامات عالية الطاقة. بعد ذلك ستقوم وكالة الفضاء الأوروبية بإطلاق قمر صناعي لقياس التغير الفعلي على مسار الكويكب.
"خريطة كنز" لمواقع التعدين
لكن الكويكبات هي ليست مجرد صخور مخيفة يمكنها أن تدمر البشرية – بل يمكنها أيضاً أن تدفع بالبشرية إلى الأمام. تمر الأجسام الهائلة مثل الكرة الأرضية بعملية فصل لمكوناتها، أو ما يسمى بتباين الأجرام، حيث تغوص العناصر الثقيلة نحو نواة الكوكب بينما تطفو العناصر الأخف نحو السطح. لهذا السبب تعتبر كمية المعادن التي نقوم باستخراجها مثل الحديد والنيكل ضئيلة مقارنة بالكمية الموجودة في أعماق الأرض. في المقابل، في الأجسام الأصغر مثل الكويكبات يكون توزيع العناصر منتظمًا، ويمكن العثور على المعادن النادرة والثمينة حتى على السطح.
فمثلاً، في كانون أول 2020 أعاد المسبار الياباني هيابوسا 2 بنجاح إلى الكرة الأرضية 5.4 غرام من عينات للتربة وما تحت التربة من كويكب "ريوغو" القريب من الأرض. وعندما تم تحليل العينات قدّر العلماء بأن الكويكب يحتوي على ما قيمته 80 مليار دولار من النيكل والحديد والكوبالت. وتعتبر المعطيات التي جمعها هيابوسا 2 ذات قيمة كبيرة بالنسبة للشركات التي تطمح لأن تقوم يوماً ما بالتعدين بحثاً عن المعادن النادرة في الكويكبات.
بالإضافة لذلك، يُظهر تحليل الضوء الذي تعكسه الكويكبات أنه في حين أن 90٪ منها هي في الغالب صخور، فإن حوالي 10٪ منها عبارة عن كتل معدنية نقية. وهذه النسبة أكبر بكثير في الكويكبات من النوع M، أي "المعدنية"، ولكن وفقًا لإحدى النظريات، فإن هذه الكويكبات هي قطع محطمة انفصلت عن أنوية كواكب قديمة، أو كواكب مصغرة، مرت بعملية فصل لمكوناتها قبل أن تتفكك. أكبر كويكب من النوع M هو كويكب سايكي، والذي تقدر قيمة ما يحتويه من المعادن النادرة مثل الذهب بنحو 10 كوادريليون دولار. تخطط ناسا في العام المقبل لإطلاق مركبة فضائية إلى كويكب سايكي، وهي أول مهمة في التاريخ نحو عالم معدني، من أجل فحص ما إذا كان الكويكب بالفعل هو نواة عارية لكوكب قديم.
بالتوازي مع البحث العلمي، بدأت شركات تجارية بالفعل بخطوات أولى نحو تحويل الحلم إلى حقيقة. في شهر حزيران من هذا العام، أطلقت الصين قمرًا صناعيًا تجاريًا يسمى يانغوانغ 1. تم تصميم هذا القمر الصناعي الصغير، وهو أول تلسكوب بصري في تاريخ الصين، لرسم خريطة لتوزيع الكويكبات القريبة من الأرض بحسب الضوء والأشعة فوق البنفسجية الناشئة عنها. لكن القمر الصناعي لم يكن مبادرة من الحكومة الصينية، بل من شركة خاصة ناشئة تسمى "اوريجين سبيس". تم إطلاق يانغوانغ 1 من أجل رسم "خريطة كنز" لمواقع التعدين المحتملة. قبل شهر، في نيسان، أطلقت الشركة الصينية "أوريجين سبيس" مسبار الفضاء NEO-1، وهو أول مركبة فضائية مصممة لدراسة الجدوى التكنولوجية والهندسية للتعدين على الكويكبات. حيث سيحاول المسبار تفكيك قطعة صغيرة من كويكب والتقاط هذه القطعة باستخدام شبكة.