بعد عدّة تأجيلات (بعض منها جاء على خلفية أزمة الكورونا)، يُتوقّع خلال الأسبوع المقبل أن تقوم إسرائيل وإيطاليا بإطلاق مختبَر إلى الفضاء يتبع لوكالتَي الفضاء الإيطالية والإسرائيلية، وقد تمّ تصنيعه على يد شركة سبيس فارما الإسرائيلية، وسوف تُجريان سلسلة من التجارب الحديثة المبتكَرة. إنّ هذا المختبر الصغير الذي سيركَّب على قمر صناعي نانو (مصغر)، هو حصيلة جهود مشترَكة من وكالة الفضاء الإسرائيلية التابعة لوزارة العلوم والتكنولوجيا، ووكالة الفضاء الإيطالية. إنّ عملية إطلاق المختبر على متن صاروخ-حامل من نوع فيغا، ستنظَّم من موقع مركز جويانا للفضاء الواقع في جويانا الفرنسية، وسيحمل معه 53 قمرا صناعيا بالمجمل (معظمها أقمار صغيرة) من 13 دولة.
"تُعتبر شركة سبيس فارما شركةً ثوريةً في مجال التجارب المخبرية في الفضاء في ظروف الجاذبية المصغرة"، علّل آڤي بلاسبرچر، مدير وكالة الفضاء الإسرائيلية في وزارة العلوم والتكنولوجيا. "طُوّر المختبر المصغَّر على يد الشركة، بتلقّي مساعدة من وكالة الفضاء الإسرائيلية، ويتم تشغيله بشكل مستقلّ ذاتيّ ومن هنا تأتي أهميته. حتى هذه الأيام، تتم التجارب في ظروف الجاذبية الصغرى في محطة الفضاء الدولية وتطبَّق على يد رواد الفضاء. في الوقت الحاضر، تُعتبر سبيس فارما الشركةَ التجارية الوحيدة التي تملك مختبرًا لأبحاث الفضاء، وهي تأتي في المرتبة الثانية بالنسبة لناسا فحسب. إنّ التطوّر الراهن يعطي الفرصة لكل عالِم القيامَ بتجاربه بصورة مستقلة ومُتاحة".
إنّ عملية الإطلاق الوشيكة الحدوث لـ مختبر DIDO-3 المصنوع في سبيس فارما سيتضمن أربع تجارب في مجالات الطب، البيولوجيا، والكيمياء. تمَّ إشراك باحث إسرائيليّ وباحث إيطاليّ في كل تجربة. الباحثون الإسرائيليون هم من التخنيون، مستشفى شيبا (تل هشومير)، والجامعة العبرية في القدس. مثلًا، قد عزم البروفيسور جوزيف فليني من جامعة بولونيا والبروفيسور بوعاز بوكروي من التخنيون، على اختبار نشاطات مواد مضادات حيوية بوجود جراثيم، في الظروف الشديدة والقاسية للجاذبية الصغرى.
"بعد أن تأجَّل الإطلاق مرَّتَين، إنّنا الآن متلهّفون ومتأثّرون لأنّ هذا على وشك الحدوث"، صرّح مؤسِّس سبيس فارما، يوسي يمين. "بعد أن تأكدنا من أنّ جميع القِطَع والمكوِّنات تعمل بتلاؤم مع برمجية التحكم (Control Software)، قُمنا بتسريب جميع المواد الخام الخاصّة بالتجارب، إلى المختبر. من ثمَّ ادخلنا القمرَ الصناعيّ ومعه المحاليل، إلى ثلّاجة خاصّة: هناك يتم حفظه (مع إمداده باللازم) إلى حين الإقلاع".
بيئة مريحة لجراثيم الفضاء
مبدئيًّا، يُعتبر الفضاء بيئةً مثالية للقيام بالتجارب البيولوجية والكيميائية، والهدف من ذلك من بين مجمل الأشياء هو تطوير أدوية جديدة. على سبيل المثال، إنّ الجراثيم في الفضاء الخارجيّ تطوِّر لنفسها وبسرعة حصانةً ضد الأدوية بفعل الظروف الضاغطة الخاصّة – ومن المتوقع أنّ الدواء الذي برهن فاعليّته ضد جراثيم الفضاء هذه، سيتغلّب بسهولة على جراثيم (من نفس الصنف) من كوكب الأرض.
إنّ DIDO-3 التابع لوكالتَي الفضاء الإسرائيلية والإيطالية وأنتجته شركة سبيس فارما، عبارة عن مختبر بحجم علبة أحذية ويزن 2.3 كغم فقط: ما يسمح بإجراء تجارب كهذه بتكاليف رخيصة، بشكل مبسَّط ومصغَّر، ودون تدخّل أيادي بشرية. إنّ أي مختبر يتم إطلاقه إلى الفضاء، ينطلق ومعه عدد من التجارب التي تنفَّذ واحدة تلو الأخرى. بوُسْع الباحثين على اختلافهم، ومن مكان إقامتهم على كوكب الأرض، أن يَبقوا على اطلاع بمستجدات البيانات وأن يشاركوا بالتجارب في الوقت الحقيقي.
"حسب تقديرنا، خلال شهرَين سوف نُكمِل جميع التجارب"، قال يمين، "ولكن لا يمكننا بأي حال من الأحوال معرفة ذلك. لا يستطيع العلماء أن يتوقّعوا ماذا سيحدث في الفضاء. وفي كلتا الحالتين، ستبدأ النتائج بالوصول إلينا بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. ستصل إلى مركز في سويسرا، ومن هناك ستنظَّم مساراتُها، لتصل إلى مختلف المختبرات والجامعات. سيتحكّم الباحثون بالتجارب ويضبطوها، بواسطة كمبيوتر أو تطبيق عبر الهاتف".
من الفضاء إلى رف الأدوية
سنةَ 2018، صنعَت سبيس فارما تاريخًا، ذلك عندما أصبحت الشركةَ الإسرائيلية الأولى التي أطلقت حمولة نحو الفضاء – وأعادتها بأمان إلى كوكب الأرض. اُطلق المختبَر سنة 2017 على متن صاروخ حامل من نوع سيغنوس، ورسا على محطة الفضاء الدولية. في شهر مارس من سنة 2018، تمّ نشل المختبر بنجاح من مياه المحيط الهادئ. وهذه المرة، لا نتوقع أن يرسو المختبر على محطة الفضاء الدولية أو أن يعود ويهبط على سطح الكرة الأرضية. ستُجرى جميع التجارب في الفضاء ويتم التحكم بها من الكرة الأرضية، وسترسَل النتائجُ إلى الباحثين. في نطاق التجارب المنفَّذة في جامعة نابولي فيدريكو الثاني، وبمشارَكة من مركز شيبا الطبي، سيتمّ بحث جينات تمتلك حصانة ضد المضادات الحيوية في ظروف الجاذبية الصغرى؛ وفي جامعة روما تري وبتعاون مع التخنيون، سيتم بحث تأثيرات ظروف الجاذبية الصغرى على خصائص الالتصاق والارتباط للألبومين البشري؛ وفي جامعة روما تور فيرغاتا وبتعاون مع الجامعة العبرية، سيتم بحث التغيّر الحاصل في تكوينات/مبنى المواد الوراثية (DNA) وأدائها في الفضاء؛ وفي جامعة بولونيا وبتعاون مع التخنيون، سيتم بحث التفاعلات الإنزيمية مع وجود بكتيريات، في ظروف الجاذبية الصغرى.