سوبر نوفا – نجم منفجر- هي ظاهرة أثارت اهتمام البشرية منذ آلاف السنين، قبل وقت طويل من اختراع التسكوب. لكن بينما نفهم اليوم بأن هذه الانفجارات المشتعلة بقوة مائة مليون شمس هي مصدر اللبنات الأساسية لحياتنا في عالمنا، فان السبب في تدمير النجم لنفسه لا تزال غير واضحة بما فيه الكفاية. السبب الرئيسي في عدم القدرة على تنبؤ سوبر نوفا مسبقا، لذا لا يوجد أمام العلماء خيار سوى دراسته بشكل رجعي.
تمكن علماء من معهد وايزمان للعلوم من التقدم خطوة مهمة نحو فهم أعمق للنجوم المنفجرة، عندما نجحوا "بالوصول" الى مكان الإنفجار خلال حدوثه، وهكذا نجحوا في رسم خريطة على مستوى تفصيلي غير مسبوق. تضمنت الخريطة جميع البيانات ليس فقط من عملية الإنفجار انما من السنوات الأخيرة للنجم- إنجاز نادر يمكن أن يسلط الضوء على العمليات التي تؤدي الى انفجار النجوم. يتم نشر النتائج الجديدة اليوم في المجلة العلمية Nature.
اعتبرت السوبر نوفا في الماضي ظاهرة نادرة: آخر سوبر نوفا تم رصدها في مجرتنا انفجرت قبل حوالي أربع مائة سنة، ويمكن فقط تخيل تأثيرها على أسلافنا، الذين رأوا فجأة بريق مشرق جديد في السماء بدون أي تفسير. تسمح لنا الابتكارات في الوسائل التلسكوبية بمشاهدة الانفجارات ليس فقط في مجرتنا انما في مجرات بعيدة أيضا، وتجميع بيانات التي لم يكن من الممكن حتى الوقت تخيلها. مع ذلك- المشكلة الأساسية في دراسة السوبر نوفا بقيت كما هي: يضطر علماء الفيزياء الفلكية لعب دور علماء الآثار الفضائيين الذين يصلون الى موقع الانفجار بعد حدوثه ويحفرون بحثا عن بقايا بين الأنقاض. "هذا جزء مما يجعر السوبر نوفا الذي رأيناها مميزا" قال طالب الدكتوراة إيرز تسيمرمان، من مجموعة البروفيسور أفيشاي جال- يام من قسم فيزياء الجسيمات والفيزياء الفلكية. "هذه هي المرة الأولى التي نشاهد بها، بالأشعة فوق البنفسجية- حيث ينبعث معظم الضوء- عند التصادم بين المادة المنبعثة في السوبر نوفا وبين المادة التي يتكون منها غلاف النجم".
حظ نادر: البشرى الأولى للسوبر نوفا القريبة
تم اكتشاف المستعر الأعظم بالصدفة من قبل عالم الفلك الياباني كويتشي إيتاجيكي. قام إيتيجاكي بنقل المعلومات إلى زملائه في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البروفيسور جال- يام الذي أدرك الفرصة واتصل على الفور بطلاب الدكتوراه في مجموعته البحثية. بينما قام العديد من الباحثين في العالم بتوجيه التلسكوبات الأرضية نحو المستعر الأعظم، قدمت مجموعة البروفيسور جال- يام طلبًا إلى وكالة ناسا للحصول على وقت بحث على تلسكوب هابل الفضائي، على أمل أن تتاح لهم الفرصة لمشاهدة الانفجار والمواد المتناثرة. من دواعي سرورهم أنهم حصلوا على فرصة وحصلوا على مقعد في الصف الأمامي لرؤية أقرب مستعر أعظم إلى الأرض منذ عقود: نجم أحمر عملاق من النوع العملاق انفجر في مجرة دولاب الهواء (وتسمى أيضًا "مسييه 101") المجاورة لمجرة درب التبانة.
في حين أن مسألة الحظ وفرت الفرصة وناسا كانت الوسيلة، إلا أنه كان لا يزال يتعين على العلماء التصرف بسرعة وبقدر كبير من الحيلة من أجل جمع البيانات الثمينة في الوقت الفعلي، تم استلام إشارة المستعر الأعظم مساء السبت وكان العلماء يعلمون أنهم إذا انتظروا حتى يوم الاثنين - بداية الأسبوع في الولايات المتحدة - فسوف تضيع معلومات قيمة. وإذا لم يكن ذلك كافيا، لتكثيف الدراما، فقد كان يوم الأحد حفل زفاف زيمرمان الذي قاد البحث مع طالب الدكتوراه عيدو إيراني من مجموعة البروفيسور جال – يام. تعامل العلماء بسباق مع الزمن، وقاموا بإجراء قياسات تلسكوبية، قاموا بحساب المعلومات المطلوبة وتسليم البيانات، في غضون ساعات قليلة، إلى زملائهم في وكالة ناسا، مما سمح لتلسكوب هابل الفضائي - وهو أداة قوية والذي عادة ما تتم إدارته بثقل شديد – بتحويل النظر الى الإنفجار أثناء حدوثه. يقول البروفيسور جال- يام: "من النادر في العمل العلمي أن يكون هناك بحث يعتمد على الوقت إلى هذا الحد". "معظم المشاريع العلمية لا تحدث في ليلة الجمعة، ولكن الفرصة سنحت، ولم يكن أمامنا خيار سوى الاستجابة للتحدي ومواجهته."
الصورة الأكثر تفصيلا على الإطلاق للسوبر نوفا
لم يتمكن الباحثون من تقديم القياسات إلى وكالة ناسا في الوقت المناسب فحسب، مما سمح لهابل بجمع البيانات اللازمة، بسبب قربه النسبي من موقع الانفجار، بل اتضح أن هابل قد رصد هذه المجرة عدة مرات من قبل. لجأ أعضاء المجموعة، بالتعاون مع زملائهم في مجموعات بحثية أخرى، إلى أرشيفات ناسا واستخرجوا صورًا للنجم قبل الانفجار - عندما كان "مجرد" عملاق أحمر ضخم على فراش الموت. كل هذا سمح للعلماء بإنشاء الصورة الأكثر تفصيلاً على الإطلاق للسوبر نوفا، التي تجمع بين السنوات الأخيرة من حياته وموته.
إن تحليل بيانات الضوء فوق البنفسجي الواردة من هابل، التي تم تأكيدها بمساعدة أقمار صناعية إضافية، سمح للعلماء بقياس كمية المواد المقذوفة من النجم في الانفجار. وظهرت فرضية غير عادية من القياس: "عندما نقارن كتلة النجم بعد الانفجار، والتي قمنا بقياسها من الانفجار نفسه، بكتلة النجم في بداية حياته، تبقى بقايا كبيرة"، كما يقول إيراني. "هذه الفجوة تجعل من الممكن، باحتمال كبير جدًا، تحديد أن المستعر الأعظم قد ترك خلفه ثقبًا أسود - حيث تم ابتلاع ما تبقى من الكتلة المفقودة على ما يبدو".
"يتصرف النجوم بشكل غير متوقع في نهاية حياتهم. يقول البروفيسور جال - يام: "إنها تصبح غير مستقرة، وعادة لا يمكننا التأكد من العمليات المعقدة التي حدثت في جوهرها، لأننا لا نبدأ في التحقيق فيها إلا بعد الموت - عندما تكون معظم المعلومات قد فقدت بالفعل". يضيف زيمرمان: "نظرًا لقرب النجم وجودة البيانات التي تم جمعها، يعد هذا البحث فرصة نادرة لفهم أفضل للآليات التي تؤدي إلى نهاية حياة النجم وتكوين شيء جديد تمامًا".