منذ أن مرت المركبة الفضائية غالليو التابعة لناسا بالقرب من الكويكب غاسبر عام 1991، تمكنت البشرية من زيارة العديد من الصخور الفضائية والدوران حولها والهبوط عليها وحتى تفجير العديد منها. في الواقع، وفي هذه اللحظات تماماً، تدور "اوسياريس ركس" التابعة لناسا حول الكويكب "بينو"، بينما تقوم هيابوسا 2 التابعة لوكالة الفضاء اليابانية بجمع عينات من تربة الكويكب "ريوغو".
نحن نعرف اليوم بوجود 829،400 كويكب في النظام الشمسي. لكن كل كويكب زرناه حتى الآن تبين أنه عالم بحد بذاته، مميز ومختلف، إذن كيف نختار الهدف التالي؟ لحسن الحظ، هناك عدة أماكن في النظام الشمسي يمكننا فيها زيارة عدة كويكبات في مهمة واحدة. وهذا الأسبوع صادقت ناسا على مشروع مسبار سيزور سبعة كويكبات مختلفة.
لوسي في السماء
سميت مركبة الهبوط لوسي، والتي سيتم إطلاقها في تشرين الأول 2021، على اسم الحفرية الأكثر شهرة في العالم - لوسي، وهي هيكل عظمي لكائن شبه بشري عاش قبل 3.2 مليون سنة (تم اقتباس تسمية الهيكل العظمي بالطبع من أغنية لفرقة البيتلز، Lucy in the Sky with Diamonds). وكما علمتنا لوسي الكثير عن أصل الإنسان، يأمل العلماء أن تعلمنا مركبة الهبوط لوسي المزيد عن نشأة النظام الشمسي.
ستكون رحلة لوسي في السماء، والتي ستستمر 12 عامًا، رحلة غير مسبوقة. سيتم إطلاقها إلى نقاط لاغرانج 4 و 5 بالقرب من المشتري. نقاط لاغرانج هي خمس نقاط ثابتة من حيث الجاذبية تتشكل بين أي جسمين اعتمادًا على كتلتيهما. في هذه النقاط، تتعادل قوى الجاذبية المتعاكسة بطريقة تسمح لجسم ثالث أصغر بالبقاء في مكانه بينها دون الوقوع في إحداها. الكويكبات العالقة في نقاط لاغرانج بين كوكب المشتري والشمس تسمى كويكبات طروادة.
هناك أيضًا كويكبات عالقة في نقاط لاغرانج حول الكرة الأرضية، أي تلك العالقة على مسافة كبيرة ولكن ثابتة منا. ومع ذلك، ونظرًا لأن كوكب المشتري هو أكبر كوكب في النظام الشمسي، فإنه يمتلك مجموعة أكبر من الكويكبات في مجال الجاذبية الخاص به. بحسب التقديرات فإن هناك ما لا يقل عن 600000 كويكب بقطر يبلغ كيلومتر واحد أو أكثر في مجالي جاذبية كوكب المشتري لاغرانج 4 و 5. من اجل المقارنة فقط، فهذا إلى حد ما هو عدد الكويكبات الموجودة في جميع أنحاء حزام الكويكبات المركزي بين كوكب المشتري والمريخ. وعلى عكس حزام الكويكبات الذي حظي بالفعل بعدد من الزيارات، لم تستكشف أي مركبة فضائية حتى الآن سحب طروادة حول كوكب المشتري.
السؤال المثير للاهتمام هو مسألة نشأة كويكبات طروادة. هل تشكلت بالقرب من كوكب المشتري أم أنها نشأت في حزام "كويبر" في أطراف النظام الشمسي ثم سحبها مجال جاذبية المشتري؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكنها أن تخبرنا شيئًا عن أصل النظام الشمسي، أي عن القرص الأصلي من الغاز والغبار الذي تشكلت منه الشمس وبقية الكواكب؟
إلى الجهة الأخرى من النظام الشمسي
سيتم إطلاق لوسي على متن صاروخ حمل من نوع أطلس 5. وسيمر المسبار بجانب الكويكب "دونالد جونسون" (على اسم العالم الأحافير الذي اكتشف المحفورة لوسي) في حزام الكويكبات. وذلك قبل أن يصل إلى الكويكب الطروادي في نقطة لاغرانج 4 حول المشتري في عام 2027 – هناك سينتقل بين أربعة كويكبات. في عام 2028 ستندفع المركبة عائدة باتجاه الشمس وستجري مناورة اندفاع بالجاذبية حول الكرة الأرضية. ستسمح لها السرعة الزائدة بالتحليق إلى الجانب الآخر من النظام الشمسي - إلى نقطة لاغرانج 5 لكوكب المشتري، حيث ستزور كويكبًا مزدوجاً (كويكبان يدوران حول بعضهما البعض). في هذه المرحلة، ستنتهي المهمة الرسمية، ولكن طالما استمرت لوسي في العمل - ستستمر في الطيران ذهابًا وإيابًا بين النقطتين لاغرانج 4 و 5، بحيث تكمل دورة واحدة كهذه كل ست سنوات.
ترغبون بمعرفة المزيد؟ ستفرحون بمعرفة أن وكالة ناسا تعمل على مهمة مثيرة أخرى لدراسة الكويكبات: المركبة المدارية سايكي، والتي سيتم إطلاقها عام 2022 إلى كويكب سايكي في حزام الكويكبات. هذا الكويكب هو أحد أكبر عشرة كويكبات في حزام الكويكبات، ولا يتكون من الجليد أو الصخور، بل من المعدن. ستصل المركبة المدارية سايكي إلى عالم الحديد والنيكل هذا في عام 2026 وستدرس تكوينه الغريب لمدة ما يقرب من عامين.