المريخ هو الكوكب السيار الأكثر إثارة للاهتمام في النظام الشمسي، وهناك ثمانية روبوتات على الأقل تقوم بدراسته من الفضاء ومن غلافه الجوي الرقيق ومن على سطحه. في الأيام القريبة القادمة ستنضم إليها واحدة بعد الأخرى ثلاث مهمات أخرى: مركبة الأمل المدارية التابعة للإمارات المتحدة، مهمة تيانون 1 الصينية، ومارس 2020 التابعة لناسا – والتي ستشمل لأول مرة مروحية فضائية أيضاً.
بسبب المسافة الطويلة بين الكواكب، فإن فرصة إطلاق المهمات من الكرة الأرضية إلى المريخ تتاح مرة كل سنتين فقط. بدأت الفرصة الأخيرة في 30 تموز وانتهت في 15 آب من هذا العام – وخلالها أطلقت البشرية ثلاث مركبات فضائية نحو جارنا الكوكب الصغير والبارد. في هذه الأيام، وبعد رحلة استمرت نحو ستة أشهر، شارفت هذه المهمات الثلاث على الوصول إلى الكوكب الأحمر.
جزء من الثانية سيقرر مصير مهمة الأمل
المهمة الأولى التي ستصل إلى المريخ هي مركبة الإمارات المتحدة المدارية، الأمل – وهي المهمة الفضائية الأولى لدولة خليجية، والمهمة الأولى لدولة عربية إلى الفضاء العميق. ستحاول المدارية الإماراتية التي أطلقت في 19 تموز الدخول إلى مسار حول المريخ يوم غد (الاثنين)، 9 شباط في الساعة 17:41 بتوقيت إسرائيل. قبل ذلك، ستشغل المركبة الإماراتية محركاتها الرئيسية لمدة 27 دقيقة بهدف تخفيف سرعتها بما يكفي لكي تعلق في مجال جاذبية الكوكب وتدخل في مسار حوله. هذه المناورة المعقدة هي المرحلة الأكثر مصيرية منذ إطلاق المركبة. فالتشغيل المبكر للمحركات يمكن أن يدفع بها في مسار حول الشمس، والتأخير في تشغيلها ولو بشكل طفيف يمكن أن يتسبب بسقوطها وتحطمها على سطح الكوكب الأحمر.
إذا مرت العملية دون مشاكل، ستدخل الأمل في مسارها النهائي – بين 20،000 و 43،000 كم فوق سطح المريخ. من هناك ستدرس المركبة الغلاف الجوي للمريخ، ولمدة عامين كاملين ستقوم بدراسة العلاقة بينه وبين الرياح الشمسية، وبينه وبين الحالة الجوية على سطحه، مثل العواصف الرملية. عبر قياس مستوى انبعاث الهيدروجين والأكسجين اليوم، يأمل العلماء في الإمارات المتحدة بتسليط ضوء جديد على الظروف التي سادت المريخ قديماً، وعلى الأسباب التي أدت لفقدان المريخ لغلافه الجوي، وسيقوم الإماراتيون بمشاركة استنتاجاتهم بشكل مباشر مع 200 مركز بحث في العالم، بما فيها وكالة ناسا.
الصينيون يبنون قاعدة فضائية مثيرة للإعجاب - أيضاً على المريخ
لن يكون للمريخ وقت كاف للتعرف على الزائر الإماراتي، ففي يوم الأربعاء 10 شباط، ستصل البعثة الصينية تيانون 1 ("أسئلة سماوية"). المهمة الصينية التي تشمل مركبة مدارية وعربة فضائية، أطلقت في 23 تموز وهي المهمة الأولى للدولة الفضائية الناشئة إلى الكوكب الأحمر. بعد أن تشغل صواريخها الأولية من اجل الدخول في مسار حول المريخ، ستقوم المركبة المدارية تيانون 1 بتصوير السطح من أجل البحث عن موقع ملائم لهبوط العربة الفضائية – والتي تجري الصين هذه الأيام منافسة علنية لاختيار إسم لها.
من المتوقع أن تظل العربة متصلة بالمركبة المدارية لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر قبل أن تحاول الصين فصلها عن المركبة الأم – وتركها تهبط بسلام. موقع الهبوط المختار موجود في الشمال الشرقي من الكوكب، ويسمى سهل اوتوبيا. السهل هو عبارة عن حوض نشأ عن اصطدام كويكب أو مذنب قديم، وهو أيضاً الموقع الذي هبطت فيه المركبة الأمريكية فايكينغ 2 عام 1976. داخل السهل الواسع ستحدد الصين موقع هبوط العربة على الخط الذي يمتد بين سهل ايزيس وبركان اليسيوم.
بعد الهبوط في سهل اوتوبيا، ستقوم العربة التي يصل وزنها إلى 240 كغم وتتحرك بواسطة ألواح شمسية بدراسة تربة المريخ – مع التركيز على إيجاد الخزانات الجليد تحت الأرضية باستعمال الرادارات. من المتوقع أن تعمل العربة لمدة 90 يوم مريخياً – أو 92 يوماً أرضياً، بينما تعتمد على المركبة المدارية تيانون 1 كمحطة إرسال للتواصل مع الكرة الأرضية. في المقابل ستجري المركبة بنفسها بعض التجارب، ومن المتوقع أن تعمل لمدة سنة مريخية كاملة. ستعمل تيانون 1 أيضاً كرادار من اجل مسح التكوينات والجيولوجيا الخاصة بالمريخ، وقياس المجال المغناطيسي والغلاف المتأين للكوكب.
هل هناك حياة على المريخ؟ الإجابة في البحيرة
على الرغم من أهمية المهمتين العربية والصينية إلى المريخ، إلا أن مجتمع العلماء يتابع باهتمام أكبر مسار المركبة الثالثة – مارس 2020 التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية، والتي تم إطلاقها بتاريخ 30 تموز ومن المتوقع أن تهبط على المريخ بتاريخ 18 شباط، في الساعة 22:55 بتوقيت إسرائيل. وستقوم مارس 2020 عندها بوضع العربة الأحدث والأكثر تطوراً في التاريخ (برسفيرنس) على سطح المريخ بنعومة. إلى جانب برسفيرنس، تحمل مارس 2020 أيضاً مروحية هي الأولى من نوعها وتدعى (اينجنيوتي). سيبحث الروبوتان معًا عن حفريات لكائنات حية في فوهة بركانية قديمة ومثيرة للاهتمام تسمى (جزيرو)، والتي كانت ذات يوم بحيرة.
في الأسبوع المقبل، وقبيل هبوط مارس 2020، سنروي لكم المزيد عن أول مهمة بيولوجية فلكية تابعة لناسا منذ مهمتا فايكنغ 1 و 2 في عام 1976 - وهي مهمة ستجيب أخيرًا عن سؤال هل توجد حياة، أو كانت في يوم ما، على المريخ.