فخرٌ إسرائيليّ: نُقلت المركبة الفضائية جوس (JUICE - Jupiter ICy Moons Explorer) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، إلى المركز الأوروبي لأبحاث وتكنولوجيا الفضاء في هولندا والتابع لـ ESA، ليتم تركيبها هناك، مع الاستعانة بتكنولوجيا وعلوم من صناعة الأزرق الأبيض (بمعنى صناعة إسرائيلية). ستحمل جوس معها تجهيزات مؤلَّفة من 12 تجربة مختلفة، أغلبها أُعدَّ من أجل تفحُّص وتقدير إمكانية وجود ظروف مواتية للحياة في المحيطات الجوفية للأقمار الجليدية غانيميد، كاليستو، وأوروبا. إنّ إحدى التجارب من بين التجارب الاثنتي عشر، خُطّط لها من قِبَل البروفيسور يوحاي كاسپي من معهد وايزمان للعلوم بدعم من وكالة الفضاء الإسرائيلية في وزارة العلوم والتكنولوجيا، وشُكّلت (التجربة) على يد شركة أكيوبيت الإسرائيلية بتمويل من الوكالة. هذا في حين ستُستخدم ضمن تسع تجارب أخرى، شرائحٌ إلكترونية من صُنع شركة رامون سبيس المدعومة هي أيضًا من قِبل وكالة الفضاء الإسرائيلية. إنَّ هذه التجربة وهذه المنتَجات، كلاهما سيصل إلى مكان أبعد من أي شيء آخَر أُنتج في إسرائيل: نحو نظام كوكب المشتري، على بُعد حوالي 600 مليون كيلومتر من كوكب الأرض.
سيتم إطلاق جوس في شهر مايو من سنة 2022، على متن الصاروخ الحامل الثقيل أريان 5 التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، ويُتوقّع أن تصل إلى أقمار غاليليو سنة 2029. من المخطَّط أن تستغرق المهمة 3.5 سنة وخلال هذه الفترة ستبحث المركبة الفضائية وجود ظروف مناسبة للحياة في ثلاثة من بين الأقمار الأربعة الكبرى للمشتري: غانيميد، كاليستو، وأوروبا (يُعتبر آيو قمرًا بركانيًّا ولا يملك أي إمكانية لتوفُّر الحياة، وتسوده إشعاعات مميتة، وبالتالي لن تزوره جوس).
وفق التقديرات، نجد في غانيميد، كاليستو وأوروبا، محيطًا جوفيًّا من المياه السائلة التي يتم تسخينها بفعل قوى المد القوية الصادرة عن كوكب المشتري. هنا على سطح كوكب الأرض، نعثر على الحياة حول المنافس المائية الحرارية في قاع المحيط بحيث بحسب إحدى الفرضيات، إنّها تُعتبر التولدَ التلقائي (أصل الحياة) في عالمنا؛ ستقوم جوس بتفعيل تقديراتها لكشف فيما إذا توجَد ظروف مشابهة لكوكبنا في البيئة القاسية للغاية لنظام المشتري. بعد أن تقوم جوس بإطلالات سريعة على آيو، غانيميد، كاليستو، والمشتري نفسه، سوف تدخل إلى مدار حول غانيميد سنة 2032: ستكون أول مركبة فضائية في التاريخ التي تدخل مدارًا حول قمر ليس قمرنا. حالما ينفد وقودها في نهاية الأمر، في شهر فبراير 2034، ومع هذه التجربة العلمية والمكوِّنات/القِطع الإسرائيلية، ستتحطم فوق غانيميد.
"أبعد من أي شيء آخر أُنتج في صناعة الأزرق الأبيض عبر التاريخ"
إنّ الجهاز الذي طُوّر لأجل التجربة الإسرائيلية، سيصل إلى أماكن أبعد من أي شيء آخَر أُنتج في صناعة الأزرق الأبيض عبر التاريخ. أُعدّت هذه التجربة، وبريادة الباحثين من معهد وايزمان للعلوم، لتقيس كثافة الغلاف الجوي في أقسام مختلفة من العملاق الغازيّ: المشتري. "في الحقيقة إننا نُرسِل شُعاعَ راديو عبر الغلاف الجوي للمشتري باتجاه الكرة الأرضية"، علّل البروفيسور يوحاي كاسپي من قسم علوم الكرة الأرضية والكواكب السيارة في معهد وايزمان للعلوم. "عند مرور الشعاع عبر الغلاف الجويّ، فإنه ينحرف بمقدار طفيف عن مساره، ويمكننا بحسب درجة انكسار الأشعة أن نتعلم حول كثافة الغازات، من خلال مقطع عموديّ للمنطقة ذاتها وحتى عُمق حوالي 10 كم تحت الغيوم. ستتوفّر لدينا مئات العيّنات مثل هذه، ما سيُتيح لنا قياس حركات الرياح في خطوط عرض مختلفة. ليس هناك غلافٌ جويّ في أقمار المشتري وإنما توجد طبقة إكسوسفير شحيحة جدا، ولكننا سوف نُجري تجربتنا في غانيميد أيضًا، في كاليستو وأوروبا، من خلال جولتَي تحليق بجوار أوروبا، 17 جولة بجوار كاليستو، وفي النهاية عبر مدار حول غانيميد".
لكي تنجح هذه التجربة، تدعو الحاجة بالطبع إلى وجود جهاز فائق الحساسية بحيث يكون بوُسعه قياس درجة انحراف شعاع الراديو. في سنة 2013، قامت شركة أكيوبيت الإسرائيلية بفحص جدوى هذه التجربة. بعد أن سارت الفحوصات والاختبارات الأولى كما يجب، توجّه باحثو معهد وايزمان ومعهم باحثو شركة أكيوبيت، إلى وكالة الفضاء الإسرائيلية في وزارة العلوم والتكنولوجيا. كانت وكالة الفضاء الإسرائيلية هي الرائدة التي نظّمت التعاون مع وكالتَي الفضاء الإيطالية والأوروبية واستثمرت عشرات ملايين الشواكل في المشروع.
"يقوم هذا الجهاز ببثّ التردّدات ويفحص فرق الطور بين وضعَين – قبل الدخول إلى الغلاف الجوي وبعد الخروج منه – بحيث تستغرق التجربة كلها بين 200 إلى 400 ثانية"، علّل روني مان، مدير مشاريع في أكيوبيت ومسؤول عن تطوير جهاز الـ USO (اختصار لـِ Ultra Stable Oscillator). "ولذلك من المهم جدًّا جدًّا أن تكون عملية القياس دقيقة. إنّ الجهاز الذي طوّرناه "يعرف" كيف يقيس الانحرافَ الترددي، بدِقّة 13 رقمًا بعد النقطة العشرية؛ لا مثيل له في العالَم، وعلى حد علمنا لا توجد شركة أخرى تصنِّع مذبذِبًا (Oscillator) من هذا النوع. لم نفتتح هنا خطَّ إنتاج، وإنما يُعنى بمذبذب فريد من نوعه نطوّره خصّيصا لوكالة الفضاء الأوروبية في سبيل المهمة إلى كوكب المشتري. نحن عبارة عن شركة تطوِّر، بشكل عام، منتَجاتٍ عسكرية. وإنّ الانخراط في صناعة الفضاء تطلّبَ عملية متواصلة من التعلّم والدراسة. في الوقت الحاضر، نحن نساعد زملاءنا في أوروبا لإتمام الفحوصات الأخيرة، ونساعدهم على دمج الجهاز مع المركبة الفضائية وأدائها، وسوف نصنّع خلال سنة 2021 جهازًا إضافيًّا وبديلًا في حال وجود عُطل قبل الإقلاع".
بما أنّ الـ USO لأكيوبيت يُعتبر جهازَ-الساعة الأكثر دقة في العالم بالنسبة إلى وزنه، فقد صبَّ ذلك الاهتمامَ – من جهة متولِّي مهام أخرى لكواكب إضافية – في تجربة باحثي معهد وايزمان لقياس كثافة الغلاف الجوي باستخدام موجات الراديو. في الوقت الحالي تدخُل تجربة معهد وايزمان ضمن مهمة ترايدنت لإرسال أول مركبة فضائية إلى ترايتون وهو القمر الأكبر لـِ نبتون ، كجزء من برنامج ديسكفري بإشراف لناسا. في هذه الأيام، تقوم ناسا بفحص هذا الاقتراح، وسوف نعرف في السنة القادمة إذا كانت المركبة ترايدنت فعلًا ستطوَّر ويتم إطلاقها إلى الفضاء. إنّ الـ USO الإسرائيلي يُشتمل ضمن اقتراح مهمة EnVision لوكالة الفضاء الأوروبية، وهي مهمة إطلاق مركبة مدارية إلى كوكب الزُهرة.
الهايتك الإسرائيلي بين أقمار المشتري
إنّ المركبة جوس - جنبًا إلى جنب مع التجربة الإسرائيلية لمعهد وايزمان وأكيوبيت – ستشتمل على 11 جهازًا علميًّا إضافيًّا، كالكاميرات، مطياف (جهاز يُنتِج طيفًا بهدف قياس الطول الموجي)، رادار، مئواج (مقياس الارتفاع). صُنّعت هذه المعدّات من قِبل مجموعة علماء من 16 دولة من أوروبا، اليابان، والولايات المتحدة. ولكن كل واحد من هذه الأجهزة يحتاج إلى كمبيوتر ليشغِّله. وتدعو الحاجةُ في الفضاء – وبالطبع قُرب حقل الجاذبية الرهيب لكوكب المشتري – إلى أن يكون هذا الكمبيوتر قادرًا على مقاومة الإشعاعات.
إنّ شركة رامون سبيس الإسرائيلية، والتي كانت شرائحها الإلكترونية اشتركت في مهام فضائية ناجحة مثل سولار أوربيتر لوكالة الفضاء الأوروبية، هايابوسا 2 لوكالة الفضاء اليابانية، وَ القمر الصناعي "فينوس" لاستكشاف وبحث البيئة لوكالتَي الفضاء الإسرائيلية والفرنسية، تختصّ في إنتاج كمبيوترات مقاوِمة لظروف الفضاء.
"كانت إيرباص في سنة 2016 أصلًا، صنّعت بطاقة تقليدية تستند إلى كمبيوترنا وتلائم الجميع"، صرّح البروفيسور ران جينوسار، مؤسِّس رامون سبيس. "نصح الأوروبيون المجموعاتِ المختلفة من العلماء باستخدام كمبيوتراتنا، وفعلًا إنّ 9 مجموعات من أصل 12 مجموعة، عملت بالنصيحة. في جميع الأحوال، يُسعدنا جدًّا أنّ معالِجات الكمبيوترات، خاصّتنا، ستقوم بتشغيل أغلب أجهزة جوس، وإننا واثقون ومتأكدون من أنّ الأشعة الشديدة للغاية لن تمسّ بأدائها السليم".