هل تخطط الصين لإطلاق محطة طاقة شمسية في الفضاء يبلغ قطرها عدة كيلومترات؟ أعلنت المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية في الصين (NSFC)، وهي هيئة تابعة بشكل مباشر لمجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية، عن مشروع مدته خمس سنوات لدراسة تجميع مركبات فضائية فائقة الحجم. وجهت المؤسسة العلماء للمشاركة في "مشروع طارئ" لبناء مركبات فضائية ضخمة، بما في ذلك البحث في العديد من تحديات تطوير هياكل خفيفة الوزن لإطلاقها وتجميعها في المدار.
على الرغم من أن الصين تحيط المشروع بشيء من الغموض، إلا أن مثل هذا المشروع البحثي يستخدم في العادة لبناء هياكل عملاقة مثل محطات الطاقة الشمسية في الفضاء. يمكن وضع مثل هذه المحطة التي تتكون من مجموعة من الألواح الشمسية - في مدار ثابت بالنسبة للأرض (GSO)، أي على ارتفاع 35786 كيلومترًا فوق خط الاستواء. ستجمع المحطة الإشعاع الكهرومغناطيسي من الشمس وتحوله إلى موجات ميكروية يتم بثها نحو الأرض لتحويلها إلى كهرباء.
طاقة خضراء من الفضاء حتى عام 2050
على الرغم من أن وثيقة المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية في الصين لا تتحدث صراحة عن "مزارع" للطاقة الشمسية، إلا أنها تكتفي بالإشارة إلى أن المركبات الفضائية التي يبلغ قياسها كيلومترًا واحدًا أو أكثر ستشكل "معدات فضائية رائدة واستراتيجية"، مما سيمنح البلاد ميزة "في الاستخدام المستقبلي لموارد الفضاء، واستكشاف ألغاز الكون والاستيطان طويل الأمد في المدار". لكن الصين كانت قد صرحت بالفعل في الماضي بأنها تخطط لبناء منظومة شمسية ضخمة في الفضاء. ومن هذه التصريحات على سبيل المثال، ، تصريح لـ "لونغ لهاو"، كبير مصممي سلسلة صواريخ الإطلاق "لونغ مارتش" من شهر حزيران من هذا العام، بأن صاروخ الإطلاق فائق الثقل القادم "لونغ مارتش 9" سيستخدم لحمل أجزاء من مزرعة شمسية سيتم تجميعها في مدار حول الأرض.
وفقًا لـ "لهاو"، سيبدأ المشروع بدراسة جدوى على نطاق صغير في العام المقبل - وإذا أثبت النموذج الأولي جدواه، ستبني الصين بحلول عام 2050 محطة طاقة شمسية ستوفر طاقة بحجم عدة جيغاواط. 1000 ميغاواط هي واحد جيغاواط، ولغراض المقارنة، تنتج محطات الطاقة في "أشليم" في إسرائيل طاقة إجمالية تبلغ 250 ميغاواط فقط.
لتوضيح الأمر، سيكون هذا مشروعاً غير مسبوق في نطاقه في تاريخ الفضاء، وسيتطلب بنية تحتية بحجم بنحو 10000 طن سيتم إطلاقها من خلال أكثر من مائة عملية إطلاق على متن صاروخ الحمل فائق الثقل "لونغ مارتش 9" وتجميعها في المدار. للمقارنة، فإن محطة الفضاء الدولية، وهي أغلى هيكل تم بناؤه في التاريخ، تزن حوالي 450 طناً "فقط". الهدف من مشروع المؤسسة الوطنية للعلوم هو البحث عن مواد خفيفة للغاية تساعد في التقليل من العدد الإجمالي لعمليات الإطلاق المطلوبة لبناء أول محطة للطاقة الشمسية في الفضاء الخارجي. ميزانية البحث الأساسي تقدر بـ 2.3 مليون دولار.
كهرباء من الفضاء
يقول البروفيسور جيفري جوردون من قسم الطاقة الشمسية والفيزياء البيئية في جامعة بن غوريون في النقب: "إن مزايا وضع محطة للطاقة الشمسية في الفضاء واضحة". "أولاً، يمكن توفير الكهرباء طوال الوقت، 24 ساعة في اليوم، على مدار السنة. لا يوجد نهار أو ليل، ولا توجد غيوم. لذلك يمكن بالفعل إنتاج ضعف كمية الكهرباء على الأقل. ولكن في الواقع سيكون الناتج أعلى من ذلك، لأن غلافنا الجوي يمتص جزءاً من أشعة الشمس ويبددها. هنا على الأرض، يبلغ أقصى ما يمكن إنتاجه لكل متر مربع في يوم واحد من الكهرباء نحو 1000 واط، وهذا أقصى من يمكن إنتاجه. في مناخ صافٍ، نتحدث عن 200 واط في المتوسط لمدة 24 ساعة، حيث يكون نصفها ليلاً بالطبع، أما في الفضاء، فإن الإنتاج لكل متر مربع ثابت عند 1400 واط. من الناحية العملية، هذا يعني أن الخلايا الكهروضوئية في الفضاء أكثر كفاءة بسبع مرات من تلك الموجودة على الأرض".
في العام الماضي، أطلقت وكالة ناسا خلايا كهروضوئية حديثة صممها البروفيسور جوردون لمحطة الفضاء الدولية، والذي أوضح أنه لا يوجد فرق تقني أساسي بين الألواح الشمسية المستخدمة في النقب والألواح المستخدمة في الفضاء.
"تعمل الألواح الشمسية في الفضاء تمامًا مثل الألواح الموجودة على الأرض: فهي تحول إشعاع الشمس إلى تيار كهربائي مباشر، أي تيار مستمر DC. في الخطوة الثانية، من الضروري تحويل التيار المباشر إلى تيار متردد، AC، ونقله باستخدام هوائي كأشعة ميكروية تعود إلى الأرض. فوق الأرض، هناك حاجة إلى هوائي لتحويلها مرة أخرى من أشعة مايكروية إلى كهرباء. وفي كل تحويل من هذا القبيل، نفقد جزءًا من التيار - في التحويل من الكهرباء إلى الأشعة المايكروية وإعادتها إلى كهرباء نفقد حوالي النصف - لكن جميع هذه التقنيات موجودة. بالطبع، يجب أن يكون نقل الأشعة المياكروية من الفضاء إلى الهوائي على الأرض دقيقًا، وإلا فسيكون هناك خطر على البيئة المحيطة بالهوائي، لكن هذه مشكلة قابلة للحل تمامًا. "
على الرغم من المزايا الواضحة، فإن البروفيسور جوردون متشكك للغاية بشأن الخطط الصينية. "فكرة وضع محطات طاقة شمسية في الفضاء سبق نشرها قبل ستين عامًا من قبل علماء أمريكيين في المجلات الرائدة في العالم. المشكلة الكبرى هي التكلفة التي ستكون فلكية مقارنة بتكلفة بناء محطة كهذه في الصحراء. مشكلة أخرى هي الصيانة. إذا حدث خطأ ما على الأرض، يمكن خلال وقت قصير إرسال فني يعمل على حل المشكلة. على ارتفاع 36000 كم الأمر مختلف تمامًا. الاستثمار الأولي في تكلفة الإطلاق والتجميع، والاستثمار الثانوي في الصيانة، ببساطة غير واقعي. والدليل أن ناسا كانت تدرس هذه الفكرة لعدة عقود ولم تنفذها بسبب تكلفتها الباهظة".
يضيف البروفيسور جوردون: "من ناحية أخرى، يريد الأمريكيون استعمار القمر من خلال برنامج أرتميس، كما تفعل الصين والهند وروسيا والاتحاد الأوروبي، ونحن في مختبري نعمل مع شركة هيليوس الإسرائيلية على نفس الموضوع. سنرى محطات طاقة شمسية على سطح القمر، لكن بالطبع سيكون الإنتاج أقل بكثير، ولن يزيد عن بضع كيلوواطات في البداية. لا أرى مستقبلًا جادًا لحجم عدة جيغاواطات من الكهرباء تنتقل بواسطة الأشعة المايكروية من الفضاء إلى الأرض".